فصل في اللام التي في قوله: {ليعبدون}

 
بوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

منتديات فارس أون لاين ::   ::   :: منتديات العالم الأسلامي ::   :: قسم الفتاوي :: قائمة بالعلماء و المفتين :: شيخ الإسلام ابن تيمية

 
شاطر
بيانات كاتب الموضوع
فصل في اللام التي في قوله: {ليعبدون}
كاتب الموضوعرسالة
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
الوزير
الرتبه:
الوزير
الصورة الرمزية
 

البيانات
عدد المساهمات : 999
نقاط : 87335
التقيم : 1
تاريخ التسجيل : 06/01/2010
 
 

 

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:

 

موضوع: فصل في اللام التي في قوله: {ليعبدون} فصل في اللام التي في قوله: {ليعبدون}  Emptyالأربعاء نوفمبر 10, 2010 11:32 pm






السؤال:

فصل في اللام التي في قوله: {ليعبدون}

المفتي:

شيخ الإسلام ابن تيمية

الإجابة:

فصــل:

وأما المسألة الثانية فقول السائل‏:‏ قوله تعالى ‏:‏‏{‏‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ‏}‏‏ ‏[‏الذاريات‏:‏56‏]‏ إن كانت هذه اللام للصيرورة في عاقبة الأمر فما صار ذلك‏؟‏ وإن كانت اللام للغرض لزم ألا يتخلف أحد من المخلوقين عن عبادته‏؟‏ وليس الأمر كذلك فما التخلص من هذا المضيق‏؟‏‏!‏

فيقال‏:‏ هذه اللام ليست هي اللام التي يسميها النحاة لام العاقبة والصيرورة ولم يقل ذلك أحد هنا، كما ذكره السائل من أن ذلك لم يصر إلا على قول من يفسر ‏{‏‏يَعْبُدُونِ‏}‏‏ بمعنى يعرفون، يعنى المعرفة التي أمر بها المؤمن والكافر؛ لكن هذا قول ضعيف، وإنما زعم بعض الناس ذلك في قوله‏:‏ ‏{‏‏وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ‏}‏‏ ‏[‏هود‏:‏119‏]‏ التي في آخر سورة هود، فإن بعض القدرية زعم أن تلك اللام لام العاقبة والصيرورة، أي صارت عاقبتهم إلى الرحمة، وإلى الاختلاف، وإن لم يقصد ذلك الخالق، وجعلوا ذلك كقوله‏:‏ ‏{‏‏فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً‏}‏‏ ‏[‏القصص‏:‏8‏]‏، وقول الشاعر‏:‏

لدوا للموت وابنوا للخراب **

وهذا أيضاً ضعيف هنا؛ لأن لام العقبة إنما تجيء في حق من لا يكون عالماً بعواقب الأمور ومصايرها، فيفعل الفعل الذي له عاقبة لا يعلمها كآل فرعون، فأما من يكون عالماً بعواقب الأفعال ومصايرها، فلا يتصور منه أن يفعل فعلا له عاقبة لا يعلم عاقبته، وإذا علم أن فعله له عاقبة فلا يقصد بفعله ما يعلم أنه لا يكون، فإن ذلك تمنٍّ وليس بإرادة‏.

‏‏ وأما اللام فهي اللام المعروفة، وهي لام كي ولام التعليل، التي إذا حذفت انتصب المصدر المجرور بها على المفعول له، وتسمى العلة الغائية، وهي متقدمة في العلم والإرادة، متأخرة في الوجود والحصول، وهذه العلة هي المراد المطلوب المقصود من الفعل، لكن ينبغي أن يعرف أن الإرادة في كتاب الله على نوعين‏:‏

أحدهما‏:‏ الإرادة الكونية، وهي الإرادة المستلزمة لوقوع المراد، التي يقال فيها‏:‏ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهذه الإرادة في مثل قوله‏:‏ ‏{‏‏فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً‏}‏‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 125‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏‏وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ‏}‏‏ ‏[‏هود‏:‏34‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ‏}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏253‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ‏}‏‏ ‏[‏الكهف‏:‏39‏]‏، وأمثال ذلك‏.

‏‏ وهذه الإرادة هي مدلول اللام في قوله‏:‏ ‏{‏‏وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ‏.‏ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ‏}‏‏ ‏[‏هود‏:‏118- 119‏]‏، قال السلف؛ خلق فريقاً للاختلاف، وفريقاً للرحمة، ولما كانت الرحمة هنا الإرادة، وهناك كونية؛ وقع المراد بها، فقوم اختلفوا، وقوم رحموا‏.

‏‏ وأما النوع الثاني‏:‏ فهو الإرادة الدينية الشرعية، وهي محبة المراد ورضاه ومحبة أهله والرضا عنهم وجزاهم بالحسنى، كما قال تعالى ‏:‏‏{‏‏يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ‏}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏185‏]‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ‏}‏‏ ‏[‏المائدة‏:‏6‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏‏يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏.‏ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً‏.‏ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفاً}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏ 26-28‏]‏، فهذه الإرادة لا تستلزم وقوع المراد إلا أن يتعلق به النوع الأول من الإرادة؛ ولهذا كانت الأقسام أربعة‏:‏

أحدها‏:‏ ما تعلقت به الإرادتان، وهو ما وقع في الوجود من الأعمال الصالحة، فإن الله أراده إرادة دين وشرع؛ فأمر به وأحبه ورضيه، وأراده إرادة كون فوقع، ولولا ذلك لما كان‏.

‏‏ والثاني‏:‏ ما تعلقت به الإرادة الدينية فقط، وهو ما أمر الله به من الأعمال الصالحة فعصى ذلك الأمر الكفار والفجار، فتلك كلها إرادة دين وهو يحبها ويرضاها لو وقعت ولو لم تقع‏.

‏‏ والثالث‏:‏ ما تعلقت به الإرادة الكونية فقط، وهو ما قدره وشاءه من الحوادث التي لم يأمر بها‏:‏ كالمباحات والمعاصي فإنه لم يأمر بها ولم يرضها ولم يحبها؛ إذ هو لا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر، ولولا مشيئته وقدرته وخلقه لها لما كانت ولما وجدت فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن‏.

‏‏ والرابع‏:‏ مالم تتعلق به هذه الإرادة ولا هذه، فهذا ما لم يكن من أنواع المباحات والمعاصي، وإذا كان كذلك، فمقتضى اللام في قوله‏:‏ ‏:‏‏{‏‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ‏}‏‏ ‏[‏الذاريات‏:‏56‏]‏، هذه الإرادة الدينية الشرعية، وهذه قد يقع مرادها وقد لا يقع، والمعنى أن الغاية التي يحب لهم ويرضى لهم والتي أمروا بفعلها هي العبادة، فهو العمل الذي خلق العباد له، أي هو الذي يحصل كمالهم وصلاحهم الذي به يكونون مرضيين محبوبين، فمن لم تحصل منه هذه الغاية؛ كان عادماً لما يحب ويرضى ويراد له الإرادة الدينية التي فيها سعادته ونجاته، وعادماً لكماله وصلاحه العدم المستلزم فساده وعذابه، وقول من قال‏:‏ العبادة هي العزيمة أو الفطرية، فقولان ضعيفان فاسدان يظهر فسادهما من وجوه متعددة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - المجلد الثامن.
















 الموضوع الأصلي : فصل في اللام التي في قوله: {ليعبدون} //   المصدر : منتديات فارس أون لاين // الكاتب: sms


فصل في اللام التي في قوله: {ليعبدون}

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

مواضيع مماثلة

-
» فصل في اللام التي في قوله: {ليعْبدون}
» فصــل قوله: الأسباب التي يقوى بها الإيمان
» قوله في الفروق التي يتبين بها كون الحسنة من الله والسيئة من النفس
» قوله في الفروق التي يتبين بها كون الحسنة من الله والسيئة من النفس
» فصل في تفسير قوله تعالى: {ما لهم به من علم}


الكلمات الدليلية (Tags)
لا يوجد


الــرد الســـريـع
..

هام جداً: قوانين المساهمة في المواضيع. انقر هنا للمعاينة
الرد السريع

خــدمات المـوضـوع
 KonuEtiketleri كلمات دليليه
فصل في اللام التي في قوله: {ليعبدون} , فصل في اللام التي في قوله: {ليعبدون} , فصل في اللام التي في قوله: {ليعبدون} ,فصل في اللام التي في قوله: {ليعبدون} ,فصل في اللام التي في قوله: {ليعبدون} , فصل في اللام التي في قوله: {ليعبدون}
 KonuLinki رابط الموضوع
 Konu BBCode BBCode
 KonuHTML Kodu HTMLcode
إذا وجدت وصلات لاتعمل في الموضوع او أن الموضوع [ فصل في اللام التي في قوله: {ليعبدون} ] مخالف ,, من فضلك راسل الإدارة من هنا
>




مواضيع ذات صلة


فصل في اللام التي في قوله: {ليعبدون}  Cron
تصميم منتديات فارس أون لاين

منتديات فارس أون لاين

منتديات فارس أون لاين

منتديات فارس أون لاين

منتديات فارس أون لاين

منتديات فارس أون لاين

منتديات فارس أون لاين